فوائد ودروس وعبر من هجرة سيد البشر
1 ـ الهجرة من سنن الرسل الكرام :
إن الهجرة في سبيل الله سنة قديمة ، ولم تكن هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً في حياة الرسل لنصرة عقائدهم ، فلئن كان قد هاجر من وطنه ومسقط رأسه من أجل الدعوة حفاظاً عليها وإيجاد بيئة خصبة تتقبلها وتستجيب لها وتذود عنها ، فقد هاجر عدد من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم لنفس الأسباب التي دعت نبينا للهجرة .
وذلك أن بقاء الدعوة في أرض قاحلة لا يخدمها بل يعوق مسارها ويشل حركتها ، وقد يعرضها للانكماش داخل أضيق الدوائر ، وقد قص علينا القرآن الكريم نماذج من هجرات الرسل وأتباعهم من الأمم الماضية لتبدو لنا في وضوح سنة من سنن الله في شأن الدعوات يأخذ بها كل مؤمن من بعدهم إذا حيل بينه وبين إيمانه وعزته، واستخف بكيانه ووجوده واعتدي على مروءته وكرامته(1).
2 ـ الصراع بين الحق والباطل صراع قديم وممتد :
وهو سنة إلهية نافذة ، قال عز وجل : ﴿ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولوا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ﴾ (سورة الحج ، الآية:40).
ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة : ﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾ (المجادلة: الآية21) .
3ـ مكر خصوم الدعوة بالداعية أمر مستمر متكرر ، سواء عن طريق الحبس أو القتل أو النفي والإخراج من الأرض ، وعلى الداعية أن يلجأ إلى ربه وأن يثق به ويتوكل عليه ويعلم أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله(2)، كما قال عز وجل: ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ (سورة الأنفال: الآية 30) .
ومن مكر أهل الباطل وخصوم الدعوة استخدام سلاح المال لإغراء النفوس الضعيفة للقضاء على الدعوة والدعاة ولذلك رصدوا مائة ناقة لمن يأتي بأحد المهاجرين حياً أو ميتاً، فتحرك الطامعون ومنهم سراقة ، الذي عاد بعد هذه المغامرة الخاسرة مادياً بأوفر ربح وأطيب رزق، وهو رزق الإيمان، وأخذ يعمي الطريق على الطامعين الآخرين الذين اجتهدوا في الطلب، وهكذا يرد الله عن أوليائه والدعاة(3) ، قال تعالى: ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ﴾ (الأنفال : الآية 36) .
4ـ الإيمان بالمعجزات الحسية :
وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت معجزات حسية، وهي دلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ـ على ما روي ـ نسيج العنكبوت على فم الغار ، ومنها ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم معبد ، وما جرى له مع سراقة، ووعده إياه بأن يلبس سواري كسرى، فعلى الدعاة أن لا يتنصلوا من هذه الخوارق، بل يذكروها ما دامت ثابتة بالسنة النبوية، على أن ينبهوا الناس على أن هذه الخوارق هي من جملة دلائل نبوته ورسالته عليه السلام(4).
5 ـ جواز الاستعانة بالكافر المأمون :
ويجوز للدعاة أن يستعينوا بمن لا يؤمن بدعوتهم ما داموا يثقون بهم ويأتمنوهم على ما يستعينون به معهم ، فقد رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا مشركاً ليدلهم على طريق الهجرة ودفعا إليه راحلتيهما وواعداه عند غار ثور، وهذه أمور خطيرة أطلعاه عليها ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وثقا به وأمناه ، مما يدل على أن الكافر أو العاصي أو غير المنتسب إلى الدعاة قد يوجد عند هؤلاء ما يستدعي وثوق الدعاة بهم ، كأن تربطهم رابطة القرابة أو المعرفة القديمة أو الجوار أو عمل معروف كان قد قدمه الداعية لهم . أو لأن هؤلاء عندهم نوع جيد من الأخلاق الأساسية مثل الأمانة وحب عمل الخير إلى غير ذلك من الأسباب ، والمسألة تقديرية يترك تقديرها إلى فطنة الداعي ومعرفته بالشخص(5).
6 ـ دور المرأة في الهجرة :
وقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير ونصيب وافر من الجهاد : منها عائشة بنت أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة ، وأم سلمة المهاجرة الصبور ، وأسماء ذات النطاقين(6) التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله ؟ فقد حدثتنا عن ذلك فقالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده ـ وكان فاحشاً خبيثاً ـ فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا)(7).
فهذا درس من أسماء رضي الله عنها تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين من الأعداء ، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم؟ وأما درسها الثاني البليغ ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة ، وقد ذهب بصره، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ، قالت : كلا يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه ، فقال: لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئاً ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك)(.
وبهذه الفطنة والحكمة سترت أسماء أباها ، وسكنت قلب جدها الضرير ، من غير أن تكذب ، فإن أباها قد ترك لهم حقاً هذه الأحجار التي كومتها لتطمئن لها نفس الشيخ! إلا أنه قد ترك لهم معها إيماناً بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج ، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال ، وورثهم يقيناً وثقه به لا حد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور ، ولا تلتفت إلى سفاسفها ، فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عز أن يتكرر ، وقل أن يوجد نظيره.
لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلاً هن من أمس الحاجة إلى الاقتداء به، والنسج على منواله .
وظلت أسماء مع إخوتها في مكة ، لا تشكو ضيقاً ، ولا تظهر حاجة ، حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه ، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ، وسودة بنت زمعة زوجه، وأسامة بن زيد ، وأم بركة المكناة بأم أيمن ، وخرج معهما عبدالله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ، فيهم عائشة وأسماء ، فقدموا المدينة ، فأنزلهم في بيت حارثة بن النعمان(9).
7 ـ أد الأمانة إلى من ائتمنك كانت أمانات المشركين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وفي إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع محاربتهم له وتصميمهم على قتله دليل باهر على تناقضهم العجيب الذي كانوا واقعين فيه، ففي الوقت الذي كانوا يكذبونه ويزعمون أنه ساحر أو مجنون أو كذاب لم يكونوا يجدون فيمن حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً ، فكانوا لا يضعون حوائجهم ولا أموالهم التي يخافون عليها إلا عنده! وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه ، وإنما بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذي جاء به ، وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم(10) ، وصدق الله العظيم : ﴿ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾ (سورة الأنعام: الآية33).
وفي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بتأدية هذه الأمانات لأصحابها في مكة ، رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب ، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط، رغم ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان لينسى أو ينشغل عن رد الأمانات إلى أهلها، حتى ولو كان في أصعب الظروف التي تنسي الإنسان نفسه فضلاً عن غيره(11).
8 ـ اليد العليا في الدعوة خير من اليد السفلى :
لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب الراحلة حتى أخذها بثمنها من أبي بكر رضي الله عنه واستقر الثمن ديناً بذمته ، وهذا درس واضح بأن حملة الدعوة ما ينبغي أن يكونوا عالة على أحد في وقت من الأوقات ، فهم مصدر العطاء في كل شيء .
إن يدهم إن لم تكن العليا فلن تكن السفلى ، وهكذا يصر عليه السلام أن يأخذها بالثمن وسلوكه ذلك هو الترجمة الحقة لقوله تعالى: ﴿ وما أسالكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ (سورة الشعراء: الآية109) .
إن الذين يحملون العقيدة والإيمان ويبشرون بهما ما ينبغي أن تمتد أيديهم إلى أحد ـ إلا الله ـ لأن هذا يتناقض مع ما يدعون إليه وقد تعود الناس أن يعوا لغة الحال لأنها أبلغ من لغة المقال ، وما تأخر المسلمون وأصابهم ما أصابهم من الهوان إلا يوم أصبحت وسائل الدعوة والعاملين بها خاضعة للغة المادة ، ينتظر الواحد منهم مرتبة ، ويومها تحول العمل إلى عمل مادي فقد الروح والحيوية والوضاءة ، وأصبح للأمر بالمعروف موظفون ، وأصبح الخطباء موظفين ، وأصبح الأئمة موظفين .
إن الصوت الذي ينبعث من حنجرة وراءها الخوف من الله والأمل في رضاه غير الصوت الذي ينبعث ليتلقى دراهم معدودة ، فإذا توقفت توقف الصوت، وقديماً قالوا: ليست النائحة كالثكلى ولهذا قل التأثير وبعد الناس عن جادة الصواب(12).
9 ـ عفة الداعية عن أموال الناس :
لما عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن سراقة عرض عليه سراقة المساعدة فقال: (وهذه كنانتي فخذ منها سهماً فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لي فيها)(13).
فحين يزهد الدعاة فيما عند الناس يحبهم الناس ، وحين يطمعون في أموال الناس ينفر الناس عنهم ، وهذا درس بليغ للدعاة إلى الله تعالى(14).
10 ـ جندية منقطعة النظير:
تظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأبو بكر رضي الله عنه عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً) فقد بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة (فابتاع راحلتين واحتبسهما في داره يعلفهما إعداداً لذلك) وفي رواية البخاري، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ـ وهو الخبط ـ أربعة أشهر) . لقد كان يدرك بثاقب بصره رضي الله عنه وهو الذي تربى ليكون قائداً ، أن لحظة الهجرة صعبة قد تأتي فجأة ولذلك هيأ وسيلة الهجرة ، ورتب تموينها ، وسخر أسرته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن الله قد أذن له في الخروج والهجرة، بكا من شدة الفرح وتقول عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن : فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ , إنها قمة الفرح البشري؛ أن يتحول الفرح إلى بكاء ، كما قال الشاعر عن هذا :
ورد الكتاب من الحبيب بأنـه سيزورني فاستعبرت أجفاني
غلب السرور علي حتى إنـني من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين صار الدمع عندك عادة تبكين من فرح ومن أحزاني
فالصديق رضي الله عنه يعلم أن معنى هذه الصحبة ، أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشر يوماً على الأقل وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز : أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض ومن دون الصحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة(15)، وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون ليكون الصديق مثلاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق مع قائده الأمين حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته؛ فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه كان يخشى على حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعلى مستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين(16) ، ويظهر الحس الأمني الرفيع للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة منها؛ حين أجاب السائل : من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال: هذا هاد يهديني السبيل ، فظن السائل بأن الصديق يقصد الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير ، وهذا يدل على حسن استخدام أبي بكر للمعاريض فراراً من الحرج أو الكذب(17) وفي إجابته للسائل تورية وتنفيذ للتربية الأمنية التي تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الهجرة كانت سراً وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك(18) ، وفي موقف علي بن أبي طالب مثال للجندي الصادق المخلص لدعوة الإسلام ، حيث فدى قائده بحياته ، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها ، فما فعله علي رضي الله عنه ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ كان من المحتمل أن تهوي سيوف فتيان قريش على رأس علي رضي الله عنه ولكن علياً رضي الله عنه لم يبال بذلك, فحسبه أن يسلم رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وقائد الدعوة(19).
11 ـ حسن القيادة والرفق في التعامل :
يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، وبإخلاص ، لم يكن حب نفاق أو نابعاً من مصلحة دنيوية ، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع ، ومن أسباب هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفاته القيادية الرشيدة ، فهو يسهر ليناموا ، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا ، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ، فمن سلك سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته ، في حياته الخاصة والعامة ، وشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم وكان عمله لوجه الله أصابه من هذا الحب إن كان من الزعماء أو القادة أو المسئولين في أمة الإسلام(20).
وصدق الشاعر الليبي عندما قال :
فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح
وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح(21)
إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها ، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود ، فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيماً وشفوقاً بجنوده وأتباعه ، فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه، ولم يبق إلا المستضعفين والمفتونين ومن كانت له مهمات خاصة بالهجرة(22).
12 ـ استمرار الدعوة في أحلك الظروف :
أ ـ في الطريق أسلم بريدة الأسلمي رضي الله عنه في ركب من قومه :
إن المسلم الذي تغلغلت الدعوة في شغاف قلبه لا يفتر لحظة واحدة عن دعوة الناس إلى دين الله تعالى ، مهما كانت الظروف قاسية والأحوال مضطربة ، والأمن مفقود ، بل ينتهز كل فرصة مناسبة لتبليغ دعوة الله تعالى ، هذا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام حينما زج به في السجن ظلماً ، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يندب حظه ، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى : ﴿ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ (سورة يوسف: الآيات37-40) .
وسورة يوسف عليه السلام مكية ، وقد أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء والمرسلين في دعوته إلى الله وذلك نجده صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة وقد كان مطارداً من المشركين قد أهدروا دمه وأغروا المجرمين منهم بالأموال الوفيرة ليأتوا برأسه حياً أو ميتاً ، ومع هذا فلم ينس مهمته ورسالته ، فقد لقي صلى الله عليه وسلم في طريقه رجلاً يقال له بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه في ركب من قومه ، فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا(23).
وذكر ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبدالله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام، وقد غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ست عشرة(24) غزوة وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام وفتح الله لقومه أسلم على يديه أبواب الهداية* ، واندفعوا إلى الإسلام وفازوا بالوسام النبوي الذي نتعلم منه منهجاً فريداً في فقه النفوس(25) قال صلى الله عليه وسلم: (أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها ، أما والله ما أنا قلته ولكن الله قال)(26) .
ب ـ وفي طريق الهجرة أسلم لصان على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كان في طريقه صلى الله عليه وسلم بالقرب من المدينة لصان من أسلم يقال لهما المهانان ، فقصدهم صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الإسلام فأسلما ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان ، فقال : بل المكرمان ، وأمرهما أن يقدما عليه المدينة(27) ، وفي هذا الخبر يظهر اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله حيث اغتنم فرصة في طريقه ودعا اللصين إلى الإسلام ، فأسلما ، وفي إسلام هذين اللصين مع ما ألفاه من حياة البطش والسلب والنهب دليل على سرعة إقبال النفوس على اتباع الحق إذا وجد من يمثله بصدق وإخلاص ، وتجردت نفس السامع من الهوى المنحرف ، وفي اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير اسمي هذين اللصين من المهانين إلى المكرمين دليل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بسمعة المسلمين ومراعاته مشاعرهم إكراماً لهم ورفعاً لمعنوياتهم .
وإن في رفع معنوية الإنسان تقوية لشخصيته ودفعاً له إلى الأمام ليبذل كل طاقته في سبيل الخير والفلاح(28).
13 ـ أهمية العقيدة والدين في إزالة العداوة والضغائن :
إن العقيدة الصحيحة السليمة والدين الإسلامي العظيم لهم أهمية كبرى في إزالة العداوات والضغائن ، وفي التأليف بين القلوب والأرواح ، وهو دور لا يمكن لغير العقيدة الصحيحة أن تقدم به وها قد رأينا كيف جمعت العقيدة الإسلامية بين الأوس والخزرج ، وأزالت آثار معارك استمرت عقوداً من الزمن ، وأغلقت ملف العقيدة في نفوس الأنصار ، فاستقبلوا المهاجرين بصدور مفتوحة ، وتآخوا معهم في مثالية نادرة ، لا تزال مثار الدهشة ومضرب المثل ، ولا توجد في الدنيا فكرة أو شعار آخر فعل مثلما فعلت عقيدة الإسلام الصافية في النفوس .
ومن هنا ندرك السر في سعي الأعداء الدائب إلى إضعاف هذه العقيدة وتقليل تأثيرها على نفوس المسلمين ، واندفاعهم المستمر نحو تذكية النعرات العصبية والوطنية والقومية وغيرها ، وتقديمها كبديل للعقيدة الصحيحة(29).
14 ـ الحفاوة بالدعوة وحاملها :
كانت فرحة المؤمنين من سكان يثرب من أنصار ومهاجرين بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصوله إليهم سالماً فرحة أخرجت النساء من بيوتهن والولائد، وحملت الرجال على ترك أعمالهم ، وكان موقف يهود المدينة موقف المشارك لسكانها في الفرحة ظاهراً ، والمتألم من منافسة الزعامة الجديدة باطناً ، أما فرحة المؤمنين بلقاء رسولهم ، فلا عجب فيها ، وهو الذي أنقذهم من الظلمات إلى النور ، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، وأما موقف اليهود فلا غرابة فيه ، وهم الذين عرفوا بالملق والنفاق للمجتمع الذي فقدوا السيطرة عليه ، وبالغيظ والحقد الأسود على من يسلبهم زعامتهم من الشعوب ، ويحول بينهم وبين سلب آمالهم باسم القروض ، وسفك دمائها باسم النصح والمشورة ، وما زال اليهود يحقدون على كل من يخلص الشعوب من سيطرتهم ، وينتهون من الحقد إلى الدس والمؤامرات ، ثم إلى الاغتيال إن استطاعوا ، ذلك دينهم ، وتلك جبلتهم(30).
ويستفاد من استقبال المهاجرين والأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية استقبال الأمراء والعلماء ، عند مقدمهم بالحفاوة والإكرام ، فقد حدث ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا الإكرام وهذه الحفاوة نابعين من حب للرسول بخلاف ما نراه من استقبال الزعماء والحكماء في عالمنا المعاصر، ويستفاد كذلك التنافس في الخير وإكرام ذوي العلم والشرف ، فقد كانت كل قبيلة تحرص أن تستضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعرض أن يكون رجاله حراساً له ، ويؤخذ من هذا إكرام العلماء والصالحين ، واحترامهم وخدمتهم(31).
15 ـ بين القدوة في الهجرة والتشريف في المعراج :
كانت الهجرة النبوية الشريفة على النحو الذي كانت عليه ، وسارت على الوضع الذي يسلكه كل مهاجر ، حتى توجد القدوة ، وتتحقق الأسوة ، ويسير المسلمون على نهج مألوف ، وسبيل معروف ، ولذلك ، فلم يرسل الله ـ عز وجل ـ له صلى الله عليه وسلم البراق ليهاجر عليه كما حدث في ليلة الإسراء ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم هجرته أحوج إلى البراق منه في أي وقت آخر؛ لأن القوم يتربصون به هنا ولم يكن هناك تربص في ليلة الإسراء ، ولو ظفروا به في هجرته لشفوا نفوسهم منه بقتله ، والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ أن الهجرة كانت مرحلة طبيعية من مراحل تطور الدعوة ووسيلة من أهم وسائل نشرها وتبليغها ، ولم تكن خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان غيره من المؤمنين مكلفين بها ، حين قطع الإسلام الولاية(32) ، بين المهاجرين وغير المهاجرين القادرين على الهجرة ، قال تعالى: ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ﴾ (سورة الأنفال : الآية 72) .
أما رحلة الإسراء والمعراج كانت رحلة تشريف وتقدير ، كما كانت إكراماً من الله ـ عز وجل ـ لنبيه ليطلعه على علم الغيب ويريه من آياته الكبرى ، فالرحلة من أولها إلى آخرها خوارق ومعجزات ومشاهد للغيبيات، فناسب أن تكون وسيلتها مشابهة لغايتها .
زد على ذلك أن رحلة الإسراء خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد من الناس أن يتطلع لمثلها ، ولسنا مطالبين بالاقتداء به فيها ، ولذا فإن حصولها على النحو الذي كانت عليه هو أنسب الأوضاع لحدوثها(33).
16 ـ وضوح سنة التدرج :
حيث نلاحظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تقابل مع طلائع الأنصار الأولى لم يفعل سوى ترغيبهم في الإسلام وتلاوة القرآن عليهم ، فلما جاءوا في العام التالي بايعهم بيعة النساء على العبادات والأخلاق والفضائل ، فلما جاءوا في العام التالي كانت بيعة العقبة الثانية على الجهاد والنصر والإيواء(34).
وجدير بالملاحظة أن بيعة الحرب لم تتم إلا بعد عامين كاملين ، أي بعد تأهيل وإعداد استمر عامين كاملين ، وهكذا تم الأمر على تدرج ينسجم مع المنهج التربوي الذي نهجت عليه الدعوة من أول يوم(35).
إنه المنهج الذي هدى الله نبيه إلى التزامه ، ففي البيعة الأولى بايعه هؤلاء الأنصار الجدد على الإسلام عقيدة ومنهاجاً وتربية ، وفي البيعة الثانية بايعه الأنصار على حماية الدعوة ، واحتضان المجتمع الإسلامي الذي نضجت ثماره، واشتدت قواعده قوة وصلابة .
إن هاتين البيعتين أمران متكاملان ضمن المنهج التربوي للدعوة الإسلامية وإن الأمر الأول هو المضمون ، والأمر الثاني وهو بيعة الحرب هو السياج الذي يحمي ذلك المضمون ، نعم كانت بيعة الحرب بعد عامين من إعلان القوم الإسلام وليس فور إعلانهم .
بعد عامين إذ تم إعدادهم حتى غدوا موقع ثقة وأهلاً لهذه البيعة ، ويلاحظ أن بيعة الحرب لم يسبق أن تمت قبل اليوم مع أي مسلم ، إنما حصلت عندما وجدت الدعوة في هؤلاء الأنصار وفي الأرض التي يقيمون فيها المعقل الملائم الذي ينطلق منه المحاربون ، لأن مكة لوضعها عندئذ لم تكن تصلح للحرب(36).
وقد اقتضت رحمة الله بعباده (أن لا يحملهم واجب القتال ، إلى أن توجد لهم دار الإسلام ، تكون لهم بمثابة معقل يأوون إليه ، ويلوذون به ، وقد كانت المدينة المنورة أول دار الإسلام(37).
لقد كانت البيعة الأولى قائمة على الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم والبيعة الثانية على الهجرة والجهاد ، وبهذه العناصر الثلاثة : الإيمان بالله ، والهجرة ، والجهاد ، يتحقق وجود الإسلام في واقع جماعي ممكن والهجرة لم تكن لتتم لولا وجود الفئة المستعدة للإيواء ولهذا قال تعالى : ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير﴾ (سورة الأنفال : الآية 72) ، وقال تعالى : ﴿ والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ﴾ (سورة الأنفال:75).
وقد كانت بيعة الحرب هي التمهيد الأخير لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ، وبذلك وجد الإسلام موطنه الذي ينطلق منه دعاة الحق بالحكمة والموعظة (الحسنة) وتنطلق منه جحافل الحق المجاهدة أول مرة ، وقامت الدولة الإسلامية المحكمة لشرع الله(38).
17 ـ التضحية في الهجرة :
كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البلد الأمين تضحية عظيمة عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)(39) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله في الحمى ، وكان واديها يجري نجلاً ـ يعني ماء آجناً ـ فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم وصرف الله ذلك عن نبيه ، قال : فكان أبوبكر، وعامر بن فهيرة ، وبلال في بيت واحد ، فأصابتهم الحمى ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم فأذن، فدخلت إليهم أعودهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب وبهما ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك(40)، فدنوت من أبي بكر فقلت : يا أبت كيف تجدك؟ فقال:
كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
قالت : فقلت والله ما يدري أبي ما يقول : ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت : كيف تجدك يا عامر؟ فقال :
لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطوقه(41) كالثور يحمي جلده بروقه(42)
قالت : فقلت : والله ما يدري عامر ما يقول . قالت : وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت ثم يرفع عقيرته(43) ويقول :
ألا ليت شعري هل أبيت ليلة بواد وحولي إذخر(44) وجليل
وهل أُرِدَن يوماً مياه مَجِنَـة وهل يبدون لي شامة وطفيل(45)
قالت : فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة ، أو أشد ، اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها واجعلها بالجحفة)(46).
ولا يخفى دور أم معبد رضي الله عنها في الهجرة، فكانت مكافأتها منه صلى الله عليه وسلم جزيلة. فقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وعوفي المسلمون بعدها من هذه الحمى، وغدت المدينة موطناً ممتازاً لكل الوافدين والمهاجرين إليها من المسلمين على تنوع بيئاتهم ومواطنهم(47) .
18 ـ حسن المكافأة :
وقد روي أنها كثرت غنمها ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة ، فمر أبو بكر ، فرآه ابنها فعرفه ، فقال : يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك ، فقامت إليه فقالت: يا عبدالله من الرجل الذي كان معك؟ قال : أو ما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال : هو نبي الله ، فأدخلها عليه ، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها ـ وفي رواية : فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقط ومتاع الأعراب ، فكساها وأعطاها ، قال : ولا أعلمه إلا قال : وأسلمت ، وذكر صاحب (الوفاء) أنها هاجرت هي وزوجها ، وأسلم أخوها حبيش، واستشهد يوم الفتح(48).
19 ـ هكذا يكون الأتباع :
قال أبو بكر الأنصاري رضي الله عنه : ( ولما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو ، فقلت له : يا نبي الله ـ بأبي أنت وأمي ـ إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فأظهر أنت فكن في العلو ، وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب: إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت قال : فلقد انكسر جب لنا فيه ماء ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه(49).
20 ـ الهجرة النبوية نقطة تحول في تاريخ الحياة :
كانت الهجرة النبوية في مكة المشرفة إلى المدينة المنورة أعظم حدث حول مجرى التاريخ ، وغير مسير الحياة ومناهجها التي كانت تحياها ، وتعيش محكومة بها في صورة قوانين ونظم وأعراف وعادات وأخلاق وسلوك للأفراد والجماعات وعقائد و تعبدات وعلم ، ومعرفة ، وجهالة وسفه ، وضلال وهدى ، وعدل وظلم
1 ـ الهجرة من سنن الرسل الكرام :
إن الهجرة في سبيل الله سنة قديمة ، ولم تكن هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً في حياة الرسل لنصرة عقائدهم ، فلئن كان قد هاجر من وطنه ومسقط رأسه من أجل الدعوة حفاظاً عليها وإيجاد بيئة خصبة تتقبلها وتستجيب لها وتذود عنها ، فقد هاجر عدد من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم لنفس الأسباب التي دعت نبينا للهجرة .
وذلك أن بقاء الدعوة في أرض قاحلة لا يخدمها بل يعوق مسارها ويشل حركتها ، وقد يعرضها للانكماش داخل أضيق الدوائر ، وقد قص علينا القرآن الكريم نماذج من هجرات الرسل وأتباعهم من الأمم الماضية لتبدو لنا في وضوح سنة من سنن الله في شأن الدعوات يأخذ بها كل مؤمن من بعدهم إذا حيل بينه وبين إيمانه وعزته، واستخف بكيانه ووجوده واعتدي على مروءته وكرامته(1).
2 ـ الصراع بين الحق والباطل صراع قديم وممتد :
وهو سنة إلهية نافذة ، قال عز وجل : ﴿ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولوا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ﴾ (سورة الحج ، الآية:40).
ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة : ﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾ (المجادلة: الآية21) .
3ـ مكر خصوم الدعوة بالداعية أمر مستمر متكرر ، سواء عن طريق الحبس أو القتل أو النفي والإخراج من الأرض ، وعلى الداعية أن يلجأ إلى ربه وأن يثق به ويتوكل عليه ويعلم أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله(2)، كما قال عز وجل: ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ (سورة الأنفال: الآية 30) .
ومن مكر أهل الباطل وخصوم الدعوة استخدام سلاح المال لإغراء النفوس الضعيفة للقضاء على الدعوة والدعاة ولذلك رصدوا مائة ناقة لمن يأتي بأحد المهاجرين حياً أو ميتاً، فتحرك الطامعون ومنهم سراقة ، الذي عاد بعد هذه المغامرة الخاسرة مادياً بأوفر ربح وأطيب رزق، وهو رزق الإيمان، وأخذ يعمي الطريق على الطامعين الآخرين الذين اجتهدوا في الطلب، وهكذا يرد الله عن أوليائه والدعاة(3) ، قال تعالى: ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ﴾ (الأنفال : الآية 36) .
4ـ الإيمان بالمعجزات الحسية :
وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت معجزات حسية، وهي دلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ـ على ما روي ـ نسيج العنكبوت على فم الغار ، ومنها ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم معبد ، وما جرى له مع سراقة، ووعده إياه بأن يلبس سواري كسرى، فعلى الدعاة أن لا يتنصلوا من هذه الخوارق، بل يذكروها ما دامت ثابتة بالسنة النبوية، على أن ينبهوا الناس على أن هذه الخوارق هي من جملة دلائل نبوته ورسالته عليه السلام(4).
5 ـ جواز الاستعانة بالكافر المأمون :
ويجوز للدعاة أن يستعينوا بمن لا يؤمن بدعوتهم ما داموا يثقون بهم ويأتمنوهم على ما يستعينون به معهم ، فقد رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا مشركاً ليدلهم على طريق الهجرة ودفعا إليه راحلتيهما وواعداه عند غار ثور، وهذه أمور خطيرة أطلعاه عليها ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وثقا به وأمناه ، مما يدل على أن الكافر أو العاصي أو غير المنتسب إلى الدعاة قد يوجد عند هؤلاء ما يستدعي وثوق الدعاة بهم ، كأن تربطهم رابطة القرابة أو المعرفة القديمة أو الجوار أو عمل معروف كان قد قدمه الداعية لهم . أو لأن هؤلاء عندهم نوع جيد من الأخلاق الأساسية مثل الأمانة وحب عمل الخير إلى غير ذلك من الأسباب ، والمسألة تقديرية يترك تقديرها إلى فطنة الداعي ومعرفته بالشخص(5).
6 ـ دور المرأة في الهجرة :
وقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير ونصيب وافر من الجهاد : منها عائشة بنت أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة ، وأم سلمة المهاجرة الصبور ، وأسماء ذات النطاقين(6) التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله ؟ فقد حدثتنا عن ذلك فقالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده ـ وكان فاحشاً خبيثاً ـ فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا)(7).
فهذا درس من أسماء رضي الله عنها تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين من الأعداء ، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم؟ وأما درسها الثاني البليغ ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة ، وقد ذهب بصره، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ، قالت : كلا يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه ، فقال: لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئاً ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك)(.
وبهذه الفطنة والحكمة سترت أسماء أباها ، وسكنت قلب جدها الضرير ، من غير أن تكذب ، فإن أباها قد ترك لهم حقاً هذه الأحجار التي كومتها لتطمئن لها نفس الشيخ! إلا أنه قد ترك لهم معها إيماناً بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج ، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال ، وورثهم يقيناً وثقه به لا حد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور ، ولا تلتفت إلى سفاسفها ، فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عز أن يتكرر ، وقل أن يوجد نظيره.
لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلاً هن من أمس الحاجة إلى الاقتداء به، والنسج على منواله .
وظلت أسماء مع إخوتها في مكة ، لا تشكو ضيقاً ، ولا تظهر حاجة ، حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه ، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ، وسودة بنت زمعة زوجه، وأسامة بن زيد ، وأم بركة المكناة بأم أيمن ، وخرج معهما عبدالله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ، فيهم عائشة وأسماء ، فقدموا المدينة ، فأنزلهم في بيت حارثة بن النعمان(9).
7 ـ أد الأمانة إلى من ائتمنك كانت أمانات المشركين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وفي إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع محاربتهم له وتصميمهم على قتله دليل باهر على تناقضهم العجيب الذي كانوا واقعين فيه، ففي الوقت الذي كانوا يكذبونه ويزعمون أنه ساحر أو مجنون أو كذاب لم يكونوا يجدون فيمن حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً ، فكانوا لا يضعون حوائجهم ولا أموالهم التي يخافون عليها إلا عنده! وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه ، وإنما بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذي جاء به ، وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم(10) ، وصدق الله العظيم : ﴿ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾ (سورة الأنعام: الآية33).
وفي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بتأدية هذه الأمانات لأصحابها في مكة ، رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب ، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط، رغم ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان لينسى أو ينشغل عن رد الأمانات إلى أهلها، حتى ولو كان في أصعب الظروف التي تنسي الإنسان نفسه فضلاً عن غيره(11).
8 ـ اليد العليا في الدعوة خير من اليد السفلى :
لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب الراحلة حتى أخذها بثمنها من أبي بكر رضي الله عنه واستقر الثمن ديناً بذمته ، وهذا درس واضح بأن حملة الدعوة ما ينبغي أن يكونوا عالة على أحد في وقت من الأوقات ، فهم مصدر العطاء في كل شيء .
إن يدهم إن لم تكن العليا فلن تكن السفلى ، وهكذا يصر عليه السلام أن يأخذها بالثمن وسلوكه ذلك هو الترجمة الحقة لقوله تعالى: ﴿ وما أسالكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ (سورة الشعراء: الآية109) .
إن الذين يحملون العقيدة والإيمان ويبشرون بهما ما ينبغي أن تمتد أيديهم إلى أحد ـ إلا الله ـ لأن هذا يتناقض مع ما يدعون إليه وقد تعود الناس أن يعوا لغة الحال لأنها أبلغ من لغة المقال ، وما تأخر المسلمون وأصابهم ما أصابهم من الهوان إلا يوم أصبحت وسائل الدعوة والعاملين بها خاضعة للغة المادة ، ينتظر الواحد منهم مرتبة ، ويومها تحول العمل إلى عمل مادي فقد الروح والحيوية والوضاءة ، وأصبح للأمر بالمعروف موظفون ، وأصبح الخطباء موظفين ، وأصبح الأئمة موظفين .
إن الصوت الذي ينبعث من حنجرة وراءها الخوف من الله والأمل في رضاه غير الصوت الذي ينبعث ليتلقى دراهم معدودة ، فإذا توقفت توقف الصوت، وقديماً قالوا: ليست النائحة كالثكلى ولهذا قل التأثير وبعد الناس عن جادة الصواب(12).
9 ـ عفة الداعية عن أموال الناس :
لما عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن سراقة عرض عليه سراقة المساعدة فقال: (وهذه كنانتي فخذ منها سهماً فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لي فيها)(13).
فحين يزهد الدعاة فيما عند الناس يحبهم الناس ، وحين يطمعون في أموال الناس ينفر الناس عنهم ، وهذا درس بليغ للدعاة إلى الله تعالى(14).
10 ـ جندية منقطعة النظير:
تظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأبو بكر رضي الله عنه عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً) فقد بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة (فابتاع راحلتين واحتبسهما في داره يعلفهما إعداداً لذلك) وفي رواية البخاري، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ـ وهو الخبط ـ أربعة أشهر) . لقد كان يدرك بثاقب بصره رضي الله عنه وهو الذي تربى ليكون قائداً ، أن لحظة الهجرة صعبة قد تأتي فجأة ولذلك هيأ وسيلة الهجرة ، ورتب تموينها ، وسخر أسرته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن الله قد أذن له في الخروج والهجرة، بكا من شدة الفرح وتقول عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن : فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ , إنها قمة الفرح البشري؛ أن يتحول الفرح إلى بكاء ، كما قال الشاعر عن هذا :
ورد الكتاب من الحبيب بأنـه سيزورني فاستعبرت أجفاني
غلب السرور علي حتى إنـني من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين صار الدمع عندك عادة تبكين من فرح ومن أحزاني
فالصديق رضي الله عنه يعلم أن معنى هذه الصحبة ، أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشر يوماً على الأقل وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز : أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض ومن دون الصحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة(15)، وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون ليكون الصديق مثلاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق مع قائده الأمين حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته؛ فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه كان يخشى على حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعلى مستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين(16) ، ويظهر الحس الأمني الرفيع للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة منها؛ حين أجاب السائل : من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال: هذا هاد يهديني السبيل ، فظن السائل بأن الصديق يقصد الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير ، وهذا يدل على حسن استخدام أبي بكر للمعاريض فراراً من الحرج أو الكذب(17) وفي إجابته للسائل تورية وتنفيذ للتربية الأمنية التي تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الهجرة كانت سراً وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك(18) ، وفي موقف علي بن أبي طالب مثال للجندي الصادق المخلص لدعوة الإسلام ، حيث فدى قائده بحياته ، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها ، فما فعله علي رضي الله عنه ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ كان من المحتمل أن تهوي سيوف فتيان قريش على رأس علي رضي الله عنه ولكن علياً رضي الله عنه لم يبال بذلك, فحسبه أن يسلم رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وقائد الدعوة(19).
11 ـ حسن القيادة والرفق في التعامل :
يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، وبإخلاص ، لم يكن حب نفاق أو نابعاً من مصلحة دنيوية ، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع ، ومن أسباب هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفاته القيادية الرشيدة ، فهو يسهر ليناموا ، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا ، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ، فمن سلك سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته ، في حياته الخاصة والعامة ، وشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم وكان عمله لوجه الله أصابه من هذا الحب إن كان من الزعماء أو القادة أو المسئولين في أمة الإسلام(20).
وصدق الشاعر الليبي عندما قال :
فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح
وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح(21)
إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها ، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود ، فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيماً وشفوقاً بجنوده وأتباعه ، فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه، ولم يبق إلا المستضعفين والمفتونين ومن كانت له مهمات خاصة بالهجرة(22).
12 ـ استمرار الدعوة في أحلك الظروف :
أ ـ في الطريق أسلم بريدة الأسلمي رضي الله عنه في ركب من قومه :
إن المسلم الذي تغلغلت الدعوة في شغاف قلبه لا يفتر لحظة واحدة عن دعوة الناس إلى دين الله تعالى ، مهما كانت الظروف قاسية والأحوال مضطربة ، والأمن مفقود ، بل ينتهز كل فرصة مناسبة لتبليغ دعوة الله تعالى ، هذا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام حينما زج به في السجن ظلماً ، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يندب حظه ، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى : ﴿ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ (سورة يوسف: الآيات37-40) .
وسورة يوسف عليه السلام مكية ، وقد أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء والمرسلين في دعوته إلى الله وذلك نجده صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة وقد كان مطارداً من المشركين قد أهدروا دمه وأغروا المجرمين منهم بالأموال الوفيرة ليأتوا برأسه حياً أو ميتاً ، ومع هذا فلم ينس مهمته ورسالته ، فقد لقي صلى الله عليه وسلم في طريقه رجلاً يقال له بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه في ركب من قومه ، فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا(23).
وذكر ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبدالله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام، وقد غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ست عشرة(24) غزوة وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام وفتح الله لقومه أسلم على يديه أبواب الهداية* ، واندفعوا إلى الإسلام وفازوا بالوسام النبوي الذي نتعلم منه منهجاً فريداً في فقه النفوس(25) قال صلى الله عليه وسلم: (أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها ، أما والله ما أنا قلته ولكن الله قال)(26) .
ب ـ وفي طريق الهجرة أسلم لصان على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كان في طريقه صلى الله عليه وسلم بالقرب من المدينة لصان من أسلم يقال لهما المهانان ، فقصدهم صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الإسلام فأسلما ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان ، فقال : بل المكرمان ، وأمرهما أن يقدما عليه المدينة(27) ، وفي هذا الخبر يظهر اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله حيث اغتنم فرصة في طريقه ودعا اللصين إلى الإسلام ، فأسلما ، وفي إسلام هذين اللصين مع ما ألفاه من حياة البطش والسلب والنهب دليل على سرعة إقبال النفوس على اتباع الحق إذا وجد من يمثله بصدق وإخلاص ، وتجردت نفس السامع من الهوى المنحرف ، وفي اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير اسمي هذين اللصين من المهانين إلى المكرمين دليل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بسمعة المسلمين ومراعاته مشاعرهم إكراماً لهم ورفعاً لمعنوياتهم .
وإن في رفع معنوية الإنسان تقوية لشخصيته ودفعاً له إلى الأمام ليبذل كل طاقته في سبيل الخير والفلاح(28).
13 ـ أهمية العقيدة والدين في إزالة العداوة والضغائن :
إن العقيدة الصحيحة السليمة والدين الإسلامي العظيم لهم أهمية كبرى في إزالة العداوات والضغائن ، وفي التأليف بين القلوب والأرواح ، وهو دور لا يمكن لغير العقيدة الصحيحة أن تقدم به وها قد رأينا كيف جمعت العقيدة الإسلامية بين الأوس والخزرج ، وأزالت آثار معارك استمرت عقوداً من الزمن ، وأغلقت ملف العقيدة في نفوس الأنصار ، فاستقبلوا المهاجرين بصدور مفتوحة ، وتآخوا معهم في مثالية نادرة ، لا تزال مثار الدهشة ومضرب المثل ، ولا توجد في الدنيا فكرة أو شعار آخر فعل مثلما فعلت عقيدة الإسلام الصافية في النفوس .
ومن هنا ندرك السر في سعي الأعداء الدائب إلى إضعاف هذه العقيدة وتقليل تأثيرها على نفوس المسلمين ، واندفاعهم المستمر نحو تذكية النعرات العصبية والوطنية والقومية وغيرها ، وتقديمها كبديل للعقيدة الصحيحة(29).
14 ـ الحفاوة بالدعوة وحاملها :
كانت فرحة المؤمنين من سكان يثرب من أنصار ومهاجرين بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصوله إليهم سالماً فرحة أخرجت النساء من بيوتهن والولائد، وحملت الرجال على ترك أعمالهم ، وكان موقف يهود المدينة موقف المشارك لسكانها في الفرحة ظاهراً ، والمتألم من منافسة الزعامة الجديدة باطناً ، أما فرحة المؤمنين بلقاء رسولهم ، فلا عجب فيها ، وهو الذي أنقذهم من الظلمات إلى النور ، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، وأما موقف اليهود فلا غرابة فيه ، وهم الذين عرفوا بالملق والنفاق للمجتمع الذي فقدوا السيطرة عليه ، وبالغيظ والحقد الأسود على من يسلبهم زعامتهم من الشعوب ، ويحول بينهم وبين سلب آمالهم باسم القروض ، وسفك دمائها باسم النصح والمشورة ، وما زال اليهود يحقدون على كل من يخلص الشعوب من سيطرتهم ، وينتهون من الحقد إلى الدس والمؤامرات ، ثم إلى الاغتيال إن استطاعوا ، ذلك دينهم ، وتلك جبلتهم(30).
ويستفاد من استقبال المهاجرين والأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية استقبال الأمراء والعلماء ، عند مقدمهم بالحفاوة والإكرام ، فقد حدث ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا الإكرام وهذه الحفاوة نابعين من حب للرسول بخلاف ما نراه من استقبال الزعماء والحكماء في عالمنا المعاصر، ويستفاد كذلك التنافس في الخير وإكرام ذوي العلم والشرف ، فقد كانت كل قبيلة تحرص أن تستضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعرض أن يكون رجاله حراساً له ، ويؤخذ من هذا إكرام العلماء والصالحين ، واحترامهم وخدمتهم(31).
15 ـ بين القدوة في الهجرة والتشريف في المعراج :
كانت الهجرة النبوية الشريفة على النحو الذي كانت عليه ، وسارت على الوضع الذي يسلكه كل مهاجر ، حتى توجد القدوة ، وتتحقق الأسوة ، ويسير المسلمون على نهج مألوف ، وسبيل معروف ، ولذلك ، فلم يرسل الله ـ عز وجل ـ له صلى الله عليه وسلم البراق ليهاجر عليه كما حدث في ليلة الإسراء ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم هجرته أحوج إلى البراق منه في أي وقت آخر؛ لأن القوم يتربصون به هنا ولم يكن هناك تربص في ليلة الإسراء ، ولو ظفروا به في هجرته لشفوا نفوسهم منه بقتله ، والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ أن الهجرة كانت مرحلة طبيعية من مراحل تطور الدعوة ووسيلة من أهم وسائل نشرها وتبليغها ، ولم تكن خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان غيره من المؤمنين مكلفين بها ، حين قطع الإسلام الولاية(32) ، بين المهاجرين وغير المهاجرين القادرين على الهجرة ، قال تعالى: ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ﴾ (سورة الأنفال : الآية 72) .
أما رحلة الإسراء والمعراج كانت رحلة تشريف وتقدير ، كما كانت إكراماً من الله ـ عز وجل ـ لنبيه ليطلعه على علم الغيب ويريه من آياته الكبرى ، فالرحلة من أولها إلى آخرها خوارق ومعجزات ومشاهد للغيبيات، فناسب أن تكون وسيلتها مشابهة لغايتها .
زد على ذلك أن رحلة الإسراء خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد من الناس أن يتطلع لمثلها ، ولسنا مطالبين بالاقتداء به فيها ، ولذا فإن حصولها على النحو الذي كانت عليه هو أنسب الأوضاع لحدوثها(33).
16 ـ وضوح سنة التدرج :
حيث نلاحظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تقابل مع طلائع الأنصار الأولى لم يفعل سوى ترغيبهم في الإسلام وتلاوة القرآن عليهم ، فلما جاءوا في العام التالي بايعهم بيعة النساء على العبادات والأخلاق والفضائل ، فلما جاءوا في العام التالي كانت بيعة العقبة الثانية على الجهاد والنصر والإيواء(34).
وجدير بالملاحظة أن بيعة الحرب لم تتم إلا بعد عامين كاملين ، أي بعد تأهيل وإعداد استمر عامين كاملين ، وهكذا تم الأمر على تدرج ينسجم مع المنهج التربوي الذي نهجت عليه الدعوة من أول يوم(35).
إنه المنهج الذي هدى الله نبيه إلى التزامه ، ففي البيعة الأولى بايعه هؤلاء الأنصار الجدد على الإسلام عقيدة ومنهاجاً وتربية ، وفي البيعة الثانية بايعه الأنصار على حماية الدعوة ، واحتضان المجتمع الإسلامي الذي نضجت ثماره، واشتدت قواعده قوة وصلابة .
إن هاتين البيعتين أمران متكاملان ضمن المنهج التربوي للدعوة الإسلامية وإن الأمر الأول هو المضمون ، والأمر الثاني وهو بيعة الحرب هو السياج الذي يحمي ذلك المضمون ، نعم كانت بيعة الحرب بعد عامين من إعلان القوم الإسلام وليس فور إعلانهم .
بعد عامين إذ تم إعدادهم حتى غدوا موقع ثقة وأهلاً لهذه البيعة ، ويلاحظ أن بيعة الحرب لم يسبق أن تمت قبل اليوم مع أي مسلم ، إنما حصلت عندما وجدت الدعوة في هؤلاء الأنصار وفي الأرض التي يقيمون فيها المعقل الملائم الذي ينطلق منه المحاربون ، لأن مكة لوضعها عندئذ لم تكن تصلح للحرب(36).
وقد اقتضت رحمة الله بعباده (أن لا يحملهم واجب القتال ، إلى أن توجد لهم دار الإسلام ، تكون لهم بمثابة معقل يأوون إليه ، ويلوذون به ، وقد كانت المدينة المنورة أول دار الإسلام(37).
لقد كانت البيعة الأولى قائمة على الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم والبيعة الثانية على الهجرة والجهاد ، وبهذه العناصر الثلاثة : الإيمان بالله ، والهجرة ، والجهاد ، يتحقق وجود الإسلام في واقع جماعي ممكن والهجرة لم تكن لتتم لولا وجود الفئة المستعدة للإيواء ولهذا قال تعالى : ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير﴾ (سورة الأنفال : الآية 72) ، وقال تعالى : ﴿ والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ﴾ (سورة الأنفال:75).
وقد كانت بيعة الحرب هي التمهيد الأخير لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ، وبذلك وجد الإسلام موطنه الذي ينطلق منه دعاة الحق بالحكمة والموعظة (الحسنة) وتنطلق منه جحافل الحق المجاهدة أول مرة ، وقامت الدولة الإسلامية المحكمة لشرع الله(38).
17 ـ التضحية في الهجرة :
كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البلد الأمين تضحية عظيمة عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)(39) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله في الحمى ، وكان واديها يجري نجلاً ـ يعني ماء آجناً ـ فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم وصرف الله ذلك عن نبيه ، قال : فكان أبوبكر، وعامر بن فهيرة ، وبلال في بيت واحد ، فأصابتهم الحمى ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم فأذن، فدخلت إليهم أعودهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب وبهما ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك(40)، فدنوت من أبي بكر فقلت : يا أبت كيف تجدك؟ فقال:
كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
قالت : فقلت والله ما يدري أبي ما يقول : ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت : كيف تجدك يا عامر؟ فقال :
لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطوقه(41) كالثور يحمي جلده بروقه(42)
قالت : فقلت : والله ما يدري عامر ما يقول . قالت : وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت ثم يرفع عقيرته(43) ويقول :
ألا ليت شعري هل أبيت ليلة بواد وحولي إذخر(44) وجليل
وهل أُرِدَن يوماً مياه مَجِنَـة وهل يبدون لي شامة وطفيل(45)
قالت : فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة ، أو أشد ، اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها واجعلها بالجحفة)(46).
ولا يخفى دور أم معبد رضي الله عنها في الهجرة، فكانت مكافأتها منه صلى الله عليه وسلم جزيلة. فقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وعوفي المسلمون بعدها من هذه الحمى، وغدت المدينة موطناً ممتازاً لكل الوافدين والمهاجرين إليها من المسلمين على تنوع بيئاتهم ومواطنهم(47) .
18 ـ حسن المكافأة :
وقد روي أنها كثرت غنمها ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة ، فمر أبو بكر ، فرآه ابنها فعرفه ، فقال : يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك ، فقامت إليه فقالت: يا عبدالله من الرجل الذي كان معك؟ قال : أو ما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال : هو نبي الله ، فأدخلها عليه ، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها ـ وفي رواية : فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقط ومتاع الأعراب ، فكساها وأعطاها ، قال : ولا أعلمه إلا قال : وأسلمت ، وذكر صاحب (الوفاء) أنها هاجرت هي وزوجها ، وأسلم أخوها حبيش، واستشهد يوم الفتح(48).
19 ـ هكذا يكون الأتباع :
قال أبو بكر الأنصاري رضي الله عنه : ( ولما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو ، فقلت له : يا نبي الله ـ بأبي أنت وأمي ـ إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فأظهر أنت فكن في العلو ، وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب: إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت قال : فلقد انكسر جب لنا فيه ماء ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه(49).
20 ـ الهجرة النبوية نقطة تحول في تاريخ الحياة :
كانت الهجرة النبوية في مكة المشرفة إلى المدينة المنورة أعظم حدث حول مجرى التاريخ ، وغير مسير الحياة ومناهجها التي كانت تحياها ، وتعيش محكومة بها في صورة قوانين ونظم وأعراف وعادات وأخلاق وسلوك للأفراد والجماعات وعقائد و تعبدات وعلم ، ومعرفة ، وجهالة وسفه ، وضلال وهدى ، وعدل وظلم
الأربعاء مارس 23, 2016 12:18 am من طرف shalabeya
» كوب مملوء بلخمر
الإثنين مارس 21, 2016 9:36 am من طرف shalabeya
» كوب مملوء بالخمر
الجمعة مارس 18, 2016 4:22 pm من طرف shalabeya
» ثوب ابيض ملطخ بدم الحيض
الثلاثاء فبراير 02, 2016 7:41 pm من طرف هارون
» ثوب ابيض ملطخ بدم الحيض
الثلاثاء فبراير 02, 2016 7:40 pm من طرف هارون
» ارجو تفسير حلمي بسرعة
الثلاثاء أكتوبر 14, 2014 1:27 am من طرف salim123
» السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
الخميس أكتوبر 09, 2014 7:11 pm من طرف املي بالله كبير
» تفسير حلم
الأربعاء أكتوبر 08, 2014 9:36 pm من طرف slim
» ارجاء الرد باسرع وقت
الجمعة أكتوبر 03, 2014 7:22 pm من طرف املي بالله كبير